
متابعات – السودان اليوم – في خطوة سياسية محورية، أقرّ مجلسا السيادة والوزراء السودانيان، خلال اجتماع مشترك في بورتسودان بتاريخ 19 فبراير 2025، تعديلات دستورية جوهرية على الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية لعام 2019، أُطلق عليها “تعديل 2025”. كما شملت التعديلات تعديلات قانونية أساسية، من بينها قوانين الإجراءات الجنائية والشركات وتشجيع الاستثمار. بالإضافة إلى ذلك، تم تشكيل لجنة خاصة لدراسة تداعيات موقف كينيا الأخير بشأن استضافة اجتماعات تدعم فكرة تشكيل حكومة موازية في السودان.
تأتي هذه التطورات في وقت تتحرك فيه قوات الدعم السريع، المدعومة محليًا وإقليميًا، لإعادة التموضع سياسيًا في اللحظات الأخيرة، بعدما باتت على مشارف خسارة المواجهات العسكرية. هذه التحركات تهدف إلى إيجاد موطئ قدم في العملية السياسية التي بدأت تتشكل بوضوح، خاصة بعد دخول الاتحاد الإفريقي على خط الوساطة.
أثارت التعديلات الدستورية جدلًا واسعًا، إذ اعتبرتها الحكومة السودانية، على لسان وزير الثقافة والإعلام خالد الأعيسر، مجرد “تكهنات غير دقيقة وغير مهنية”، ما يعكس بداية توتر جديد بين القوى السياسية والعسكرية. ووفق مصادر إعلامية، فإن من أبرز التعديلات منح القوات المسلحة صلاحية ترشيح رئيس مجلس السيادة والتوصية بإقالته، إلى جانب زيادة عدد أعضاء المجلس إلى تسعة. هذه التعديلات تعكس مساعي الحكومة لإعادة هيكلة السلطة الانتقالية بما يتماشى مع التوازنات الجديدة بين القوى المدنية والعسكرية وأطراف اتفاق سلام جوبا. لكنها في الوقت ذاته تثير تساؤلات حول مدى تأثيرها على استقرار المرحلة الانتقالية، خصوصًا مع تعزيز دور القوات المسلحة، ما قد يُضعف النفوذ المدني في إدارة الحكم.
يبدو أن الحكومة السودانية حاولت تحقيق تفوق سياسي وإعلامي سريع لمواجهة التحشيد الذي تشهده نيروبي لصالح قوات الدعم السريع. لذلك، سارعت بإقرار التعديلات قبل اكتمال المشاورات مع بعض القوى السياسية الداعمة لها، ما دفعها لاحقًا إلى تأجيل الإعلان الرسمي ريثما تُنجز التوافقات المطلوبة للحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية. في سياق متصل، تبدو الخطوات الأخيرة للحكومة محاولة لترسيخ مركزية القرار، حيث تم منح رئيس مجلس السيادة صلاحيات واسعة تشمل تعيين وإقالة رئيس الوزراء، وزيادة أعضاء المجلس السيادي، إلى جانب إدماج حكام الأقاليم في مجلس الوزراء. هذه التعديلات قد تعكس رغبة شعبية في دور أكبر للمؤسسة العسكرية في إدارة المرحلة الانتقالية، خصوصًا بعد تراجع ثقة الشارع في الأحزاب السياسية المنقسمة.
على الجهة المقابلة، تسعى قوات الدعم السريع وحلفاؤها لتشكيل حكومة منفى، ليس بهدف ممارسة السلطة التنفيذية، بل لإضفاء شرعية جديدة على وجودها السياسي بعد التراجع العسكري. هذه الحكومة قد تكون مجرد أداة لممارسة الضغط السياسي، وربما التلويح بمشروع انفصالي محتمل في إقليم دارفور، ما قد يُدخل السودان في مرحلة أكثر تعقيدًا. لكن هذه الخطوة تواجه رفضًا واسعًا داخليًا وإقليميًا، حيث باتت قوات الدعم السريع في عزلة دولية متزايدة، خاصة بعد الانتهاكات التي ارتكبتها بحق المدنيين. وقد أكد الأمين العام للأمم المتحدة وعدد من الدول العربية والإفريقية، بجانب الولايات المتحدة، رفضهم لهذه التحركات، مما يُضعف فرص نجاح مشروع الحكومة الموازية.
رغم تمسك الحكومة السودانية برفض أي تدخل خارجي يضعف سيادتها، تبدو كينيا عازمة على لعب دور الوسيط في الأزمة، وهو ما يضعها أمام اختبار صعب، خاصة مع اتهامات بدعم أجندات تقسيمية تخدم مصالح قوى دولية وإقليمية. ووفق تقارير إعلامية، فإن بعض الدول الغربية قدمت دعمًا ماليًا ولوجستيًا لعقد اجتماعات سياسية تهدف إلى تشكيل حكومة منفى، في حين نأت دول أخرى، مثل أوغندا، بنفسها عن هذه التحركات، إدراكًا منها لمخاطر تقسيم السودان على استقرار المنطقة.
في ظل هذه المعادلة المعقدة، تسعى حكومة البرهان إلى ترسيخ واقع سياسي مستقر يستند إلى هيكل دستوري مدعوم شعبيًا وقوة عسكرية متماسكة، بينما تراهن حكومة المنفى على دعم دولي وإقليمي لزعزعة هذا الاستقرار وإعادة تشكيل خريطة السلطة في البلاد. ويبقى التحدي الأكبر أمام السودانيين هو تجاوز الاستقطاب السياسي والبحث عن مسار وطني موحد يعيد الاعتبار لوحدة السودان وسيادته، حتى لا يصبح سيناريو التقسيم أمرًا مطروحًا على طاولة الفاعلين الدوليين والإقليميين.