أ/شاذلي عبدالسلام محمد ✒️ حين يعلو الصوت على الحكمة… من يشعل النيران في هشيم الوطن؟
رأي إعلامي

🔹كنت أطالع منصات التواصل كعادتي في تتبع نبض الشارع السوداني لا بحثا عن الإثارة بل لأن هذه المساحات باتت منابر سياسية موازية تحمل ما لا تقوله المنصات الرسمية وتفصح عن المزاج الشعبي بأوضح مما تفعل الخطب…
🔹فجأة ظهر أمامي مقطع مصور لشخصية معروفة في شرق السودان يعتلي منبرا عاما يتحدث لا بلسان سياسي بل بصوت تحريض واضح ووعيد خطير موجه إلى أعلى هرم في الدولة رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان ومعه نائبيه الفريق أول ياسر العطا والفريق أول شمس الدين كباشي…
🔹”إذا تجاوزت ترك سنمسح بك الأرض”
قالها المتحدث بصوت جهوري كأنما يعقد صفقة مع الجماهير على منبر الغضب و لم يكن الأمر مجرد رأي في خلاف سياسي بل كان تهديدا علنيا صريحا لرأس الدولة في زمن تتفتت فيه الأوطان من كلمة وتنهار الجيوش من شائعة وتندلع الحروب من خطبة طائشة..
🔹تلك اللحظة شعرت بأن الوطن ليس في خطر الحرب فقط بل في خطر “الخطاب” أيضا فحين تنقلب المنابر إلى ساحات تصفية حساب ويستخدم اسم “القبيلة” أو “الزعيم المحلي” كذريعة لتهديد الدولة فإننا أمام أزمة أعمق من السياسة أزمة أخلاق وطنية وانهيار في أدب الحوار….
🔹عزيزي القارئ دعونا نصارح أنفسنا لسنا في رفاهية الجدل نحن في لحظة مصيرية لا تحتمل مزيدا من الشرخ في الجدار الداخلي جيش يقاتل في أكثر من جبهة وبلد يئن تحت وطأة الحصار والانقسام ومواطنون يتقاسمون الجوع والخوف بالتساوي….
🔹فما الذي نريده حين نطلق تهديدات على رؤوس الأشهاد؟وما الرسالة التي تراد من مخاطبة رأس الدولة بهذا القدر من الاستهانة؟هل نسينا أن الكلمة نار؟ وأن الكلمة قد تقتل شعبا وتفتت وطنا؟..
🔹اعتقال المتحدث بعد انتشار الفيديو لم يكن مفاجئا بل كان استجابة طبيعية لما تقتضيه هيبة الدولة فالمساس برئيس الدولة ليس حدثا عابرا ولا شأنا شخصيا بل هو مساس برمز السيادة ومؤسسة الجيش ومفهوم الدولة نفسه وكلنا يعرف أن لا وطن بلا رأس ولا جيش بلا قيادة ولا أمل بلا احترام للمؤسسات….
🔹لكن الحكاية أعمق من توقيف شخص بل هي حكاية انحدار في الخطاب العام وسوء إدارة للخلاف وقصور في فهم الفرق بين المعارضة والمواجهة…..
🔹فالمعارضة السياسية حق والنقد ضرورة ولكن بشرط أن يكون ذلك في إطار الدولة لا ضدها و في ظل القانون لا من خارجه و عبر الحوار لا التهديد….
🔹شرق السودان لا يحتاج إلى نيران إضافية بل إلى ماء الحكمة فالمنطقة التي تعاني أصلا من تهميش مزمن ومطالب متراكمة لا تحتمل أن تزج في معركة ضد المركز أو أن تتحول إلى منبر لتصفية الحسابات القوميةفالمطلوب من أبناء الشرق أن يكونوا طليعة في التهدئة لا الشرارة الأولى في الاشتعال و أن يعيدوا ضبط البوصلة ويوجهوا مطالبهم بالقوة الأخلاقية لا بالانفعال المؤذي…..
🔹إن ما يجري من تحريض هو صدى لمناخ سياسي مختل حيث كل يغني على قبيلته ويقاتل باسم منطقته وينسى أن السودان أكبر من الجميع وأن الجسد إذا انهار لم تنج منه اليد ولا الرأس…..
🔹عزيزي القارئ إن الحفاظ على هيبة المؤسسة العسكرية ورمزية القيادة ليس ترفا بل ضرورة في هذا التوقيت الدقيق ليس من أجل البرهان كشخص بل من أجل السودان كدولة
فحين تسقط هيبة القيادة يصبح الوطن نهبا لكل من هب ودب وتضيع البوصلة بين الأصوات المرتفعة ولا يبقى من الدولة غير الأطلال…..
🔹فلنراجع أنفسناولنضبط ألسنتنا قبل أن نفلت البلاد من بين أيدينا فالسودان لا يحتاج إلى صوت عالي بل إلى قلب عاقل ولا إلى من يهدد بل من يبني ولا إلى خطاب الغضب بل إلى منطق الدولة….
🔹فلتكن رسالتنا نختلف نعم… لكن دون أن نهدد كيان الوطن ننتقد نعم… لكن دون أن نشعل النيران
فالسودان ليس حقلا
للتجارب ولا ساحة
للبطولات الزائفة ..السودان وطن والوطن لا يهدد….
🔹الي ان نلتقي ….
١٣ يونيو ٢٠٢٥م