عباس حمدون/محامي وناشط حقوقي اللاجئين السودانيين: “من رحلة اللجوء إلى الدول.. إلى بروز الكفاءات المهنية والأكاديمية، وظهور المبادرات الجميلة في الجانب المنسي.”

لو لم يكونوا لاجئين ودخلوا أوغندا كمستثمرين أو بعقود عمل، كيف سيكون حجم تأثيرهم وخبراتهم المهنية في أفريقيا؟ هكذا يتحدث المراقبون من المؤسسات الحكومية في أوغندا عن تقييم خبرات اللاجئين السودانيين في العمل العام والخاص، خاصة في المجال الطبي، الذي يعد مثالًا بارزًا.
“دور أطباء السودان في تجربة مهنة الطب في أوغندا”
أطباء السودان يمثلون إضافة قيّمة لمهنة الطب في أوغندا، بفضل خبرتهم المصنفة عربيًا كثاني أفضل الكوادر في الجانبين النظري والعملي. أثبتوا كفاءتهم في دول الخليج، حيث عملوا كمعلمين للشعوب. في الجانب النظري تم استقطاب عدد من الأطباء السودانيين كمحاضرين في الجامعات الأوغندية، مثل جامعة كمبالا العالمية وجامعة كافنديش، بالإضافة إلى بعض الكليات الخاصة. أما في الجانب العملي، وظف القطاع العام عددًا كبيرًا من الكفاءات والخبرات المتخصصة في المستشفيات الحكومية، مما سد فراغًا في التخصصات النادرة.(المخ والأعصاب – الجراحة العامة – النفسية – النساء والتوليد).
في هذا المجال، نجح أطباء بلادي في افتتاح مستشفيات خاصة، وبرزوا في مجال الخبرة الطبية والعلاجية، مع استخدامهم لجميع مبادئ الطب والإنسانية، التي تعتبر أساس هذه المهنة. بفضل السمعة والخبرة الكبيرة للكوادر السودانية في جميع المجالات المهنية والأكاديمية، سهل المجلس الطبي الأوغندي، بالتعاون مع المنظمة الإقليمية (AHA) المتخصصة في المجال الطبي، حصول أصحاب الخبرات من الأطباء السودانيين على تراخيص مزاولة المهنة في أوغندا بشروط سهلة. ولهذا السبب، توجد مستشفيات سودانية رائدة أثبتت وجودها في سوق العمل الطبي، وجذبت المرضى، مما يدل على تفوق العقل السوداني في المجال الطبي، سواء بين اللاجئين أو المجتمع المحلي في أوغندا:
1- مستشفى السلام الطبي (بإدارة طاقم سوداني كامل).
2- مستشفى قومبي الطبي (شراكة مع كوادر سودانية من خلال عقود عمل).
3- عيادة دكتور محمد خليل الكارب.
4- مركز ترياق الطبي (بإدارة طاقم سوداني كامل).
5- مستشفى المودة الطبي (بإدارة طاقم سوداني كامل).
6- مستشفى ميديبال إنترناشونال ( إدارة أوغندية وبعض من كوادر الخبرة السودانية ).
7- مجمع عيادات دار الشفاء (بإدارة طاقم سوداني كامل).
… ولعدم انتشار الخبرات السودانية بشكل أوسع قبل الحرب، والتي أجبرت الشعب السوداني على اللجوء . دول شرق أفريقيا لم تكن تدرك حجم الخبرة المهنية الموجودة في السودان. الكثير من الحكومات هناك اعتقدت أن السودان وهب كل خبراته العلمية للدول العربية ودول الخليج، متجاهلةً دول أفريقيا التي تتمسك بهويتها الأفريقية.
“جوانب العمل الحر وتأثيره الإيجابي على سعر الصرف في أوغندا”
السودانيون، عادة، لا يعتمدون كليًا على مساعدات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. بل يبدعون ويعيدون إحياء مهنهم التي كانوا يمارسونها في السودان. قوانين المفوضية السامية وقانون اللجوء الأوغندي سمحت لهم بفرص واسعة لممارسة العمل الحر. بدأوا بفتح محلات تجارية في قلب سوق المدينة (التاون). أنشأوا سوقًا تجاريًا للمنتجات السودانية، وهذا جذب انتباه المتسوقين المحليين. بالإضافة إلى ذلك، مع تحويلات أبناء الوطن في الخارج لأسرهم في أوغندا بالعملة الأجنبية، تحسنت قيمة العملة الأوغندية (الشلن). هذا أجبر العملة العالمية (الدولار) على التراجع، حيث انخفضت قيمة 100 دولار من 380000 شلن إلى 360000 شلن. في السابق، أي قبل قدوم السودانيين، كان سعر الصرف لا يتغير إلا كل عدة سنوات، بالتزامن مع الدورات الانتخابية في أوغندا، وبشكل ملحوظ.
“الجانب الإنساني المختبئ خلف مشاكل الدنيا (الجانب المنسي)”
فازت لجنة وفيات كمبالا بعطاء الله الإنساني في خدمة الموتى. لم تكن مهمة هذا العمل سهلة. كيف يمكن أن تتخيلوا إنسانًا يفقد وطنه ويفقد عزيزًا عليه في الغربة؟ هل سيتذكر فقدان الوطن أم سينشغل بكيفية دفن الميت، وكيفية تجهيزه، ومن سيتفهم هذا الواجب ويقف بجانبه؟
أجابت لجنة وفيات كمبالا على كل هذه التساؤلات بأفعالها. أسس عدد من أبناء بلادي هذه المبادرة بجهودهم الذاتية وعبر جمع التبرعات لتغطية تكاليف الدفن، رغم المعاناة المعروفة للسودانيين. لكن أخذ لقمة من فم جائع مقابل إكرام دفن الميت هو الأهم. ربما الجائع يُقنع نفسه بأنه صائم فيصبر، ولكن لا صبر لأهل الميت إلا بدفنه.
من خلال هذا المقال، إذا أردت أن أشكر القائمين على أمر اللجنة، فشكري وشكرهم ما هو إلا كلمات تخص الدنيا. لقد فزتم بعطاء الله في الدنيا من أجل الآخرة، وندعو الله أن يتقبل عملكم ويجعله في ميزان حسناتكم.
اللهم أصلح حال بلادنا واحفظ أبناءها في جميع أنحاء الدنيا، و ردهم إليها ردًا جميلاً.