مقالات

د. خالد حسين محمد ✒️ ونغني للجسارة يوم سافر لدوحة العرب المشير

تابعنا على واتساب
إعلان

 

ونغني لك يا وطني مثلما غنى الخليل
مثلما غنت مهيرة تلهب الفرسان جيل بعد جيل
ونغني لحريق المك في قلب الدخيل
للجسارة مثلما استشهد في مدفعه عبد الفضيل
للجسارة يوم سافر لدوحة العرب البشير
تبادر هذا المقطع من النشيد الوطني الذي يغنيه الأستاذ محمد وردي إلى ذهني عندما حطت طائرة الرئيس على مطار الدوحة. وكانت كلمة الجسارة تملأ الوجدان من هذا الموقف السوداني الأصيل. هذا الموقف الجسور الذي جعل التاريخ يستيقظ من ثبات عميق ويمسك قلمه ويسجل هذا الموقف في قائمة الجسارة والشرف. والتي توقفت في العالم إلا عندنا في السودان. هذا التاريخ الذي جعله الحزن والنوم يترك صحائفه بيضاء من غير سوء. لأنه لا يوجد حدث يستحق التسجيل، فأصبحت مخازي أشباه الرجال بين أفخاذ النساء تزكم الأنوف أمثال المدعوان (كلينتون وأوكامبو). وأصبح القتل الجبان والقتل للعزّل بدم بارد والقتال من داخل المصفحات أو القذف من مكان بعيد على العزّل ما يتبجح به الجبناء أمثال بوش وأولمرت وباراك.
النماذج البشرية التي يقف التاريخ أمامها احتراماً توقفت في كل العالم إلا عندنا في السودان. وإذا وقف التاريخ معنا أمام قائمة الجسارة تتزاحم الأرواح

إعلان

والأسماء ولا نملك إلا أن نختار من هذا التزاحم إلا مثالاً كانت الجسارة على أعتاب نملي والمهندس محمود شريف يمسك بكلاشه بعد أن نفذت الذخيرة ويهجم على آلة البلدوزر كانت الجسارة في الميل أربعين وعلى عبد الفتاح ومعه ثلة من المجاهدين والدبابين يوقفون الزحف الأمريكي اليوغندي المتجه إلى جوبا عند الميل أربعين. وكانت الجسارة وإبراهيم شمس الدين يتنقل بطائرته من معركة إلى معركة في غمرة الاستهداف على السودان وكانت الجسارة وكانت الجسارة وكانت الجسارة عندما توجه المشير عمر البشير بطائرته صوب الدوحة وكان التصفيق للجسارة من كل الصحفيين الذين لم يصفقوا يوماً قط لرئيس إلا في مطار الدوحة عندما أطل الفارس السوداني من سلم الطائرة التي تحمل علم السودان.

هذه الجسارة لها من المقعدات التي تكسر ظهر الفارس إذا كان به خور وإذ استجاب لها جعلته صفراً من أصفار التاريخ. وقد تعرض فارسنا لهذه المقعدات فكانت الدعوات من مجالس العلماء والتي لم نسمع بها إل في حالات الشفقة والدعوات والعواطف. وكانت المقعدات من العشيرة المقربين والذين لا تهمهم سلامة الفارس تدفعهم غريزة حب الحياة وعاطفة الأبوة والبنوة بالمحافظة على سلامة ابنهم. فكان التحريك لآل كوبر وكان نصب الخيام. ونسي هؤلاء أن أبنهم أصبح ابن لكل السودان وأنه لم يعد ابنهم وحدهم طالما اختار هذا المكان طوعاً أو جسارة في 30 يونيو 1989م. وكانت المقعدات من أولئك الذين لا تهمهم إلا سلامة أنفسهم والذين خيل إليهم أن ذهاب الرئيس يعني ذهابهم ويعني تنقيص معاشهم فسودت الصحائف وملأت الجرائد بالمقالات والمناظرات هذا جزء من المقعدات التي تعرض لها الفارس الجسور وهي كفيلة بأن تقصم ظهر عتاة الفرسان وتجعل قلب أشجعهم يلين ويضطرب.

ولكن فارسنا لم يكن في قلبه محل لذلك فقد جرب هذه المواقف في ساحات كثيرة ومنها على سبيل المثال في ميوم ويوم حمل روحه على كفه في 30 يونيو 1989م، وهو اليوم بذات الجسارة يحمل روحه في كفه ويصعد سلم الطائرة متوجهاً للدوحة رغم التهديد والوعيد، ولكن هذه الحالة من الجسارة تختلف عن سابقاتها. فالسابقات كانت على ظهر الأرض والبسيطة والأمن والأمان والمخابئ والاتكاءات التي يحتاجها المحارب لينظم الصفوف ليعاود الكر. ولكن حالتنا هذه في الهواء حيث لا مخبأ ولا ملجأ ولا مكان للاتكاءة والارتكاز، إلا الله والقلب المملوء بالإيمان والجسارة.

وكما للجسارة مقعدات فلها دوافع من الرافعات والملهمات والملهبات، ومن تلك عدالة القضية، ففارسنا يعلم بعدالة قضيته ويعلم الظلم الذي يتعرض له السودان في شخصه ويعلم تماماً إذا لم يتجاسر فستكون نهاية السودان ونهاية عمر البشير ونهاية الثورة التي فجرها في 30 يونيو 1989م مبشراً بالمشروع الحضاري وناصراً للدين والمستضعفين.

ومن تلك الدافعات إعمال الفكر والرأي ودراسة القضية من جانبه وجانب مستشاريه ومفكريه فبعد أن أعملوا الرأي والفكر وسندوا ظهره وأوضحوا أن السفر هو الرأي الراجح في مثل هذه المواقف للسودان وللدين وللعالم حتى، وبعد ذلك قالوا له أن الأمر لك فانظر ماذا ترى فلم يخذلهم الفارس الجسور فقال لهم على

بركة الله نتوكل.

إعلان

ومن هذه الدافعات هذا الشعب الجسور الذي لا يعجبه الاضينة) ولا (الهوين) ولا (الحقارة هذا الشعب الذي لا يعرف إلا الرجال في مثل هذه المواقف فكان هذا الالتفاف الرائع في زيارتي دارفور وفي شارع الوادي وفي مروي (السد) ومن كل ولايات السودان وفعالياته وحتى الجاليات بالخارج وفي المطار حين العودة الميمونة سالماً، ما كان هذا الفارس أن يخذل هذا الشعب ويتضارى) (وراء حيطة مايلة) كما زين المرجفون من الحفاظ على السودان. فلم يخذلهم الرئيس ولم يخذلهم الفارس، ولو فعل غير ذلك لما كان له مكان في مجتمع السودان. وكما لم يخذل هذا الشعب الرئيس فإنه لم يخذلهم حتى في قادمات الأيام وحتى في

المعاش.

ومن تلك الدافعات تلك الزوجة الرائعة الجسورة والتي جسدت كل معاني التاريخ الرائع للمرأة السودانية من الجسارة في مهيرة وفي بنونه وفي الكنانية

وكأني بها تحرضه على السفر وتقول له لا مكان لك بيننا يا عمر ان لم تسافر ورجلي على رجلك في طائرة واحدة فإما نلقى الله سوياً أو أعود في معية الفارس الجسور وأغني لك كما غنت مهيرة تلهب الفرسان جيل بعد جيل. ويكفي إدراكها وفهمها للقضية عندما قالت للراية القطرية ان البشير قد هزم الجنائية”.

هذا الغناء في الرئيس على طريقتي لإنزال الرجال منازلهم، هذا إضافة إلى أن هذا الموقف بهذه الجسارة له تداعياته في الداخل والخارج. وأن فيه رسائل كثيرة موجهة كذلك للداخل والخارج.

ففي الداخل أن الرئيس بعد هذا السفر الجسور لم يترك عذراً لأحد من الشعب السوداني فالرئيس قد حمل روحه على كفه توجه إلى الدوحة على الرغم من انعدام وسائل الدفاع فلم يكن معه إلا الله والتوكل عليه، فلذلك لا عذر لأحد بعد اليوم وخاصة الإخوة في القوات المسلحة ابتدءاً من وزير الدفاع مروراً بهيئة القيادة وانتهاءاً بأحدث جندي في صف الطابور العسكري، وكذلك الأجهزة النظامية الأخرى أن لا عذر بعد اليوم لأحد مهما كانت المبررات وأسباب الدنيا التي نعلق عليها الفشل والخور وذلك الأمر ينسحب على كل مناحي الدولة المختلفة من وزارات ومؤسسات ومنظمات وخدمة مدنية. هي نقطة تحول في التاريخ السوداني وهي بداية الانطلاقة للسودان القادم وهي إعادة مولد أمة. ذلك أن الأمر لم يكن حالة شجاعة وجسارة و (جعلية) فحسب وإنما كان الأمر إعمال فكر ورأي وتشاور وتناصح وموت أمة وميلاد أمة ومصارعة للباطل والإثم والعدوان، وبعد كل هذا كانت الجسارة والإقدام التي كتبت بداية التاريخ للانطلاقة للأمة السودانية.

وكما كان للرئيس هذه المنزلة وهذه الاستحقاقات التي وجب علينا الاعتراف بها وقبولها بطيب خاطر، فهناك فارس آخر لا يقل جسارة عن الرئيس وهذا الفارس حقه على الرئيس وعلى المؤتمر الوطني وعلى الحركة الإسلامية، هذا الفارس الجسور هو الشعب السوداني الذي وقف مع الرئيس والتف حوله منذ صدور قرار ما يسمى بالجنائية التعيس، فوقف حول الرئيس منافحاً ومدافعاً ومؤازراً شاداً من ظهره من كل الكيانات والأحزاب، هذا الشعب الذي كان مسانداً للرئيس سانداً لظهره

وهنا تتجلى إرادة الأمة السودانية الجسور ولم يخيب الرئيس ظنه هذا الشعب يستحق من الرئيس كل إكرام وتقدير وان كان في مكرمة الكهرباء في سد مروي البداية فإن هذا الشعب يستحق كل الإكرام من الرئيس والمؤتمر الوطني والحركة

الإسلامية.

وفي الخارج كانت لهذه الجسارة مفعولها ورسائلها. فلولا هذا السفر لما كانت قرارات القمة العربية بهذه القوة تجاه القضية السودانية، فلو ولم يسافر الرئيس تصور كيف كانت ستكون قرارات القمة العربية التي ما عهدنا فيها سابقاً غير الشجب والإدانة ولم تظهر كلمة “ترفض” إلا في هذه القمة.

كذلك كان لحضور الرئيس رسالة لكل دول الممانعة والمتمردين على الهيمنة الأمريكية أننا نستطيع أن نقول “لا” وللعالم عندما يكون التطفيف والكيل بأكثر من مكيال وان الرسالة فحواها أن لا نقول “لا” قولا إنما يتبعها الفعل. وأن فيها رسالة لكل دول العالم الثالث أن يا دول العالم الثالث إنكم تستطيعون فعل الكثير”. وفي هذه دعوة للتوحد. وكما لخص الأستاذ غازي سليمان هذا الموقف، بأن الخرطوم مؤهلة لأن تكون باندونق وأن الرئيس مؤهلا ليعيد سيرة سوهارتو وعبد الناصر ونهرو وتيتو.

وان الرسالة كانت لأوكامبو ومن خلفه أنا قلت ليك أشرب قرارك ناشف وعلى طريقة الرئيس ان شاء الله يا أوكامبو ما يكون خنقك”. هذا الأوكامبو الذي لا يعرف القانون ولا السياسة قد أجهض ما يسمى بالجنائية عندما أصدر قرار

توقيف الرئيس المشير الجسور فلا نامت أعين الجبناء”.

نشر هذا المقال يوم ۲۹ مارس ۲۰۰۹ عندما حطت طائرة البشير على مطار

الدوحة

تابعنا على واتساب
إعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إعلان
زر الذهاب إلى الأعلى